مدريد تلوّح بجر الجزائر القضاء الدولي إذا جرى تعليق إمدادات الغاز

مشاركة

أعلنت الحكومة الإسبانية بحث الانعكاسات السلبية لقرار الجزائر تعليق التجارة الخارجية بين الطرفين. وفي مزج بين الحوار والتهديد باللجوء إلى المحاكم الدولية، أكدت أنها ستدافع عن مصالح إسبانيا بكل حزم، لا سيما في قطاع الغاز الذي تحول إلى سلاح في العلاقات الدولية بعد الحرب الروسية ضد أوكرانيا.

ويعد الأربعاء من الأسبوع الجاري من المنعطفات الهامة جيوسياسيا في غرب البحر الأبيض المتوسط نظرا للأحداث “الساخنة” التي شهدها. في هذا الصدد، أعلن رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانتيش أمام البرلمان عن اعتبار الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب بمثابة الحل الأكثر جدية وواقعية لنزاع الصحراء، وهو تطور في خطابه مقارنة مع الرسالة التي كان قد وجهها إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس منتصف مارس والتي اعتبر فيها المقترح أحد الحلول الواقعية والجدية.

غير أن رد الفعل الجزائري كان عنيفا دبلوماسيا، فقد وصفت الجزائر في بيان رئاسي، الموقف الإسباني في نزاع الصحراء بأنه ضد القانون الدولي، علاوة على استعمال تعابير قوية غير دبلوماسية. وكإجراء عقابي، قررت الجزائر تعليق العمل باتفاقية الصداقة وحسن الجوار الموقعة مع إسبانيا سنة 2002، وهي من أهم آليات الدبلوماسية الإسبانية لتعزيز العلاقات الخارجية مع الدول التي لا تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي. وكانت المفاجأة هي إعلان الجزائر خلال الليل (الأربعاء) عن وقف التبادل التجاري بين البلدين مستثنية حتى الآن الغاز لأنه يخضع لاتفاقية تجارية دولية.

وباستثناء الحزب الاشتراكي، رفضت كل الأحزاب الممثلة في البرلمان الإسباني موقف رئيس الحكومة بيدرو سانتيش بتأييد الحكم الذاتي في الصحراء، وطالبت بالعودة إلى تأييد تقرير المصير. وحمّلته مجددا مسؤولية تدهور العلاقات مع دولة هامة جدا مثل الجزائر. بدورها، انتقدت افتتاحيات الصحف الكبرى مثل إلباييس وآي بي سي وإلموندو، قرار رئيس الحكومة، واعتبرت أنه افتقد للمناورة الدبلوماسية لتجنب مثل هذه الأزمة.

ويبدو أن الرد الجزائري العنيف دبلوماسيا لم يؤثر في موقف حكومة مدريد. ونقلت جريدة إلباييس اليوم، أن حكومة مدريد ستستمر في دعم الحكم الذاتي بالصحراء، ولن تتراجع عن هذا الموقف الذي اتخذته رغم ضغط المعارضة والجزائر. وفي الوقت ذاته، تدرس الانعكاسات السلبية لقرار الجزائر. وتفيد مختلف الآراء بتخوف الحكومة من تراخي الجزائر في حراسة سواحلها، مما سيجعل قوارب الهجرة تصل بكثافة إلى الساحل الشرقي الإسباني، وكذلك رفع أسعار الغاز وتطبيق التسعيرة الحالية في السوق الدولية، وهي مرتفعة للغاية.

ونقلت وكالة إيفي الرسمية، تصريحات وزير الخارجية خوسي مانويل ألباريس هذا الخميس بأن “الحكومة تدرس تداعيات قرار الجزائر بتجميد التجارة الخارجية وسنرد بطريقة بناءة وحازمة للدفاع عن مصالح إسبانيا”.  من جانبه، قال وزير الرئاسة فيليكس بولانيوس، أن العلاقات مع الجزائر لن تصل إلى القطيعة بل هي معلقة.

وفي تصريح لإذاعة أوندا سيرو، قالت نائبة رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الطاقوي إن “العلاقة بين شركة سوناطراك المسوقة للغاز  والشركات الإسبانية تخضع لاتفاقيات، وأتمنى استمرار العمل بها، وفي حالة العكس، ستكون مشكلة شائكة سيتعين حلها ليس عبر العلاقات الدبلوماسية، وإنما عبر التحكيم والمحاكم الدولية”. وإذا كان وزير الخارجية تحدث عن موقف حازم، فقد لوّحت نائبة رئيس الحكومة بالمحاكم.

واعترفت بوجود “مراجعة معقدة للأسعار بين سوناطراك والشركات الإسبانية منذ شهور، لكن لا مؤشر يدل على خرق الاتفاقيات من جانب واحد من طرف الحكومة الجزائرية”، في إشارة إلى احترام الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين.

وكانت الجزائر قد سحبت سفيرها من مدريد خلال مارس الماضي كردِ فعل على موقف إسبانيا من الصحراء بتأييد الحكم الذاتي، ثم أعلنت اختيار إيطاليا لتوزيع الغاز الجزائري في أوروبا بدل إسبانيا. وتستورد إسبانيا من الجزائر قرابة مليارين ونصف المليار يورو سنويا، 90% منها هي طاقة، وتصدر مليارا ونصف المليار كمنتوجات في مختلف القطاعات. ويمكن للجزائر الاستغناء عن وارداتها من إسبانيا بالتركيز على الصين أو إيطاليا أو فرنسا، لكن إسبانيا لا يمكنها الاستغناء عن الطاقة التي تستوردها من الجزائر.